جواعنة
الجواعنة: نخبة جليلة من السادة الحسينية التي اتّخذت مكانها الرفيع المحاط بأقباس من التقوى والايمان وسمو الأخلاق ودماثتها وعزة النفس وطيبتها، وجمعت بين المروءة والسخاء والاصالة والنقاء.
واختارت لها مواطن في محافظة الانبار منذ أمد بعيد، وعلى الضفّة اليسرى من نهر الفرات تمركزت في بادئ الأمر في قرية ( سملاية ) التي تغيّر اسمها فيما بعد وحملت اسم السادة ( الجواعنة )، وهو لقب جدهم الاقدم وليس اسمه الحقيقي، ولهذه التسمية حكاية سنأتي عليها فيما بعد.
والسادة الجواعنة هم أبناء عز الدين الذي اعقب ولدين هما: (عامر) وذريته السادة المعامرة في الشرقاط ونينوى، و (ثامر ) ومن ذريّته السادة الجواعنة.
وهناك من يرجعهم إلى جوعان بن شبيب بن سليمان بن علي بن جمال الدين بن قطب الدين بن المعمار محمد بن أحمد شرف الدين بن علي بن محمّد إبراهيم بن محمّد بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر بن عثمان بن محمد بن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام.
ورداً على هذا الادعاء نقول: بناءاً على ما اجتمعت عليه كل الوثائق والمراجع التاريخية المعتمدة لدى جميع المذاهب: إن الإمام الحسن العسكري لا ولد له غير الإمام محمد المهدي الذي لم يعقب ولداً ولم يتزوج.
ونعود إلى سبب تسمية هؤلاء السادة بـ ( الجواعنة )، فهم يذكرون أن جدهم الاقدم السيّد محمد كان رجلاً كريماً مضيافاً ذائع الصيت، وبعد سقوط بغداد على يد الصفويّين أرسل السلطان العثماني مراد الرابع جيوشاً عن طريق نهر الفرات يصحبها العديد من العشائر العربية لتطهير بغداد من الصفويين كما هو معلن آنذاك. وعند مرور البعض من قطعات الجيش العثماني بقرية ( سملاية ) قرّر القائد العثماني المبيت بها لكي تاخذ قواته قسطاً من الراحة بعد السفر الطويل، فقابله السيّد محمد وأخبره بأن عشاء الجند ومن معهم سيكون عنده وأنه الليلة في ضيافته، فدهش القائد العثماني وردّ عليه: لكن جيشنا كثير العدد وجائع، فأجابه السيّد محمد: سنشبعكم جميعاً بإذن الله. وهذا ما حدث فعلاً، ولمّا عاد القائد إلى اسطنبول أخبر السلطان العثماني مراد الرابع بموقف السيّد محمد وضيافته الكريمة، فأمر السلطان بمنح السيّد محمد ( الفرمان العثماني )، وهو وسام من الدرجة الكبيرة وبإعفاء أملاكه من الضريبة وإعفاء احفاده وذريته من الخدمة العسكرية، مع كتاب شكر جاء فيه ( بارك الله بالسيّد محمد الذي أشبع جيشنا الجوعان ). هذا ما رواه لي ابناء العشيرة اثناء لقائي بهم، فكانت كلمة الجوعان لقباً للسيّد محمّد، ثم انسحبت على ذريته فيما بعد ليصبح لقبهم ( الجواعنة ).
توزّعت مساكن السادة الجواعنة في الوقت الحاضر في كل من حديثة ومركز محافظة الأنبار والبغدادي وصلاح الدين وبغداد وأماكن أخرى.
ومن ابرز رموزهم الباشا السيّد مولود مخلص المولود 1885 والمتوفّى سنة 1951م من روّاد عسكريين كنوري السعيد وجعفر العسكري وياسين الهاشمي أسسوا المشروع التحرري للعراق عندما ثاروا على المؤسسة العسكرية العثمانية والتحقوا بالثورة العربية بزعامة الشريف حسين بن علي عام 1916، وكان قامة لا تقهر بحسب الوثائق الوطنية.
هو مولود مخلص بن أحمد، ولد في الموصل. وأصل اسرته في تكريت التي ترجع إلى عشيرة ( الجواعنة ) العلوية الجذر والاصل. وكان مولود مخلص كثيراً ما يفتخر بأصله العلوي وبانتسابه لجده الاكبر السيّد جعفر بن الإمام علي الهادي. وجده هذا يظهر في المشجّرة العائلية بأنه من أحفاد الإمام موسى الكاظم عليه السّلام. وهناك في عائلته من كان يلقّب بالحسيني اعتزازاً بانتسابهم إلى الحسين السبط بن الإمام علي بن أبي طالب. واسم ( مخلص ) الذي يقترن باسم مولود هو كناية وليس عَلَماً لأب أو جدّ له، كان الشريف حسين قد وصفه به دلالة على شجاعته وبطولاته في الحرب العربية العثمانية.
ويذهب التاريخ إلى ان لمولود مخلص دوراً مهماً في تأسيس الدولة العراقية الحديثة وأحد بُنّاتها المتواضعين. ويرجع له الفضل في ادخال أبناء تكريت من الجيل الاول إلى المدارس العسكرية في الاستانة ومن ثم في العراق في بداية تأسيس الجيش العراقي عام 1921.
أكمل دراسته الاولية في الموصل وبغداد التي أنهى فيها دراسته الاعدادية العسكرية مع بعض زملائه الذين قُدّر لهم ان يكونوا في طليعة من تصدى لبناء الهيكل الرئيس للدولة العراقية الحديثة بما فيها المؤسسة العسكرية الاولى.
رحل إلى الأستانة وضُمّ إلى المدرسة الحربية فمدرسة الأركان، وتخرج فيهما. وكان في هذه الفترة قد تعاهد مع الثائر عزيز علي المصري وبعض رفاقه من العرب على تحرير البلدان العربية من النير العثماني. وكان كثير الحركة في الجمعيات العربية السرية في عاصمة الخلافة مما اوقعه في الشك والريبة من قبل الاستخبارات العثمانية، فاحتُجز لأيام وخضع للتحقيق العسكري، لكنه هرب من سجنه بعد أحداث الحرب العالمية الاولى، وتسلّل هارباً إلى نجد بحماية الامير عبدالعزيز آل الرشيد، ثم التحق بثورة الشريف حسين سنة 1916، وفي الجبهة التي برعاية الامير فيصل بن الحسين الذي دخل معه إلى تحرير سورية 1918، وبعدها عُيّن في مناصب مرموقة في القطر السوري.
وبعد فشل الحكم الفيصلي في سورية عاد إلى العراق، وأنيطت به وبرفاقه مهمة تأسيس الجيش العراقي، ثم شغل مناصب رفيعة تحت إمرة الملك فيصل الاول.
ومنذ عام 1925 عيّن عضواً في مجلس الاعيان، ورأس مجلس النواب 1937 ـ 1941، ثم عاد إلى مجلس الاعيان حتّى وفاته.