مقالٌ في المُشَجَّر
مدخل
لما نزل قول الله تعالى }فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ{ وقوله تعالى
}وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرْرَبِينَ{ في نزولها الثاني بعد دعوته الخاصة لبني هاشم،
صعد النبيُّ صَ ى لَّ اللهى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَ ى لمَ جبل الصفا قرب الكعبة وجعل
ينادي في قبائل قريش قبيلة قبيلة ؛ فَقَالَ : يَا بَنِي فِهْر ، فَاجْتَمَعُوا . ثُ ى م قَالَ
: يَا بَنِي غَالِب ، فَ تَأ ى خرَ بَنوُ مَُُارِب وَالَْْارِث اِبْنَا فِهْر . فَقَالَ : يَا بَنِي لُؤَيّ ،
فَ تَأ ى خرَ بَنوُ الَْْدْرَم بْن غَالِب . فَقَالَ : يَا آلَ كَعْب ، فَ تَأ ى خرَ بَنوُ عَدِيّ وَسَهْم
وَجَُُح فَقَالَ : يَا آلَ كِلََب ، فَ تَأ ى خرَ بَنوُ مََْزُوم وَتَيْم . فَقَالَ : يَا آلَ قُصََّ ،
فَ تَأ ى خرَ بَنوُ زُهْرَة . فَ قَالَ : يَا آلَ عَبْد مَنَافٍ ، فَ تَأ ى خرَ بَنوُ عَبْد ال ى دار وَعَبْد
الْعُ ى زى . فَقَالَ لَهُ أَبُو لهََبٍ : بَنوُ عَبْد مَنَافٍ عِنْدَك
ِ
هَؤُلََء . فتشكلوا أمامه
علَّ درجة القرب كالشجرة ، ثم دعاهم إلى الله .. وهذه الْادثة نبهت
المسلمين إلى فكرة التشجير أو شجرة النسب من بعد أميتهم كما انتبهوا إلى
الكتابة والقراءة ، فكان قومه صَ ى لَّ اللهى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَ ى لمَ في عُرْفِ الشجرة ،
وهو صَ ى لَّ اللهى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَ ى لمَ قد تَ سَنىمَ هُ م . وهذه الشجرة هي التي احتج
بها المهاجرون من قريش علَّ الْنصار يوم السقيفة ، فقالوا لهم : رسولُ
اللهِ مِ ن قريشٍ ونحن شجرتُ ه .
3
تعريف مشجر النسب
مشجرُ ال نىسب مصطل ح مؤل ف من كلمتين اثنتين ، الكلمة الْولى : مشج ر
أو شجر ة . والكلمة الثانية : كلمة النسب . ولَبد في الْ د مِ ن إفراد كل
كلمةٍ علَّ حِ دة ، وقد سبق لنا أن عرفنا علم النسب في رسالةٍ سابقةٍ ،
وبقي أن نذكر حَ ى د الشجرة أو المشجر في اصطلَح النسابين .
في البدء رأيتُ أن أُ ع ر ف شجرة النسب أو مشجر النسب كما هو في
اصطلَح النسابين .
إذ هو بعبارة واضحة: تفريع للأفراد عن أصل لهم تفريعاً بيانياً علَّ
صحيفة.
أو ذكر للأفراد بيانياً ؛ ومن ثم الَرتقاء بأنسابهم إلى أصولها مع ذكر
تفرعات الْصول .
وبعبارة المتأخرين : رسمُ طبقةَ نسبٍ علَّ الصحيفة علَّ شكل الشجرة
النبات ؛ سواء علَّ صورة الشجرة أو في حكمها .
أو كما أسلفنا فروع تمتد عن أصل ، وأصول تدلي بفروع .
ومناسبة المعنى الَصطلَحي للمعني اللغوي أن مادة شجر تأتي علَّ عدة
معاني في اللغة العربية ، هذا متى سُلم بأن تشجير الْنساب كان من
اختراع النسابين العرب والمسلمين :
الربط بين الفروع والأصول. يقال : شَجَرَ الشيءَ يَشْجُره شَجْراً إذا
ربطه . فالمناسبة هنا هي ربط الفروع بالْصول ، لْن النسب هو
الرابطة التي بين الْصول والفروع .
.2 تَعْمِيْدُ بيت النسب. يقال في بيت السُّ كنَى : شَجَ رْ تُ البيتَ أشْ جُ ره
شَ جراً إذا ع ى مدته بعمود ، وكل شيء عمدته بِعِمَادٍ فقد شجرته .
فالمناسبة واضحة هنا حيث يعمد المشجِ ر إلى ذكر عمود نسب
لطبقة من طبقات النسب ، وهذا المعنى أسعد المناسبات من هذا
الوجه .
.3 التشبيك للشيء. إذ إن الشجرُ والَشتجار هو التشبيك ، كما أن
الْنساب متواشجة بمعنى أنها متداخلة ، وسمي الشجرُ النبات
شجراً لدخول أغصانه في بعض ، وكذلك هي الْنساب أشبهت
الْشجار في التداخل والتشابك ، ومن أجل ذلك يقال للرسم
البياني للأنساب : تشجير ؛ ومشجر . ومن هذا المعنى أخذ
النسابون مصطلح التشجير الذي هو رَسْمُ تفريعٍ للأنساب
المتواشجة .
.4 الرفع للشيء. كَ فقد مِ عَ وسُ رُفِ
ٍ
إذ إن ال ى شجْرُ هو الرفع ، وكل شيء
شُجِرَ . وهذا المعنى هو أسعد المعاني بمشجر النسب من جهة أن
المش ى جر يُبْتدأ فيه بالفرع ومن ثم يُشْْع بالتأصيل له ، أي رفع نسبه
5
حتى الجد الْعلَّ . وهذا المعنى يصدق علَّ المشجرات التي يُبتدئ
فيها بالفرع كما هي الطريقة الغالبة
طريقة تدوين النسب
تُ د ى و ن الْنساب وتحفظ بطريقتين عند أهل الرواية والدراية:
الطريقة الأولى : المبسوط ، وجمعه مبسوطات .
وهي طريقة سرد الْنساب في الصحف كما يُ سرد الكلَم من غير رسم ،
وذلك ببسط الكلَم ؛ وسرد بعضه وراء بعض ، والمبسوط عند أهل العلم
ما كان في مقابل المختصر ؛ أي المطَُ ى ولَت التي استغنت عن شرح ، لْنها
هي نفسها شرح مو ى سع . خلَفاً لْهل النسب الذين يعنون بالمبسوط ما
كان في مقابل المشجر ، وكأنهم أخذوه من معناه اللغوي وهو الَستواء
فيكون ب لَ نشوزٍ ؛ خلَفاً لذاك النشوز الذي تو ى هَّوه في المشجر .
الطريقة الثانية : المشجر ، وجمعه مشجرات .
وقليل من القدماء من كان يشجر الْنساب ، إذ مع إتقانهم لعلم النسب
إلَ أنه ف ن يتطلب مهارة في الرسم ، واستعداداً فنياً ، وهذا قد لَ يتقنه
النسابة ، وهو يخشى أن يغامر ب رسمِ مبسوط ه فيكون ذلك علَّ حساب
الضبط ؛ ويُ دِ ث لمن بعده لبساً أو وهَّاً ، فالَستعداد الفني هنا يكون
مُ قَ ى د ماً علَّ الَستعداد العلمي .