أنواع مشجرات الأنساب
كان القدماء يعتمدون نوعاً واحداً ، إما أنهم يستحسنونه ، وإما أنهم
يقلدون سلفهم فيه ، وفي العصور المتأخرة ولَ سيما في العصر الْديث ،
استج ى د ت أنوا ع ؛ ونحن نذكر الْنواع كلها في الفقرات التالية :
)1 المشجرات الأفقية في الشكل. وإنما قلنا أفقية في الشكل لْجل أنها
أفقية في الرسم لَ في واقع الطبقة النَسَبِ ى ية ، لْن النسب إما عامود ي
ويمثل الْصل والفرع/الفصل ، أي الآباء والْبناء ، وإما نسب
أفقيّ وهم الإخوة والْعمام . وكلَمنا عن المشجر الْفقي لَ عن
النسب الْفقي ، فالمشجر الْفقي يُرسم في صفحات متتالية ، وهذه
المشجرات نوعان ، النوع الأول: يبدأ النسابةُ فيه بذكر الفرع ومن
ثَ ى م الْصل ، بمعني أنه يَ ذكر الَبنَ ، ثم يخطُّ كلمة )بن( ويزيد في
مَ ط ها ؛ كيفما اقتضت مصلحةُ الرسم ؛ وكيفما اقتضى طول المشجر ،
ثم يذكر الْب. فالرابطةُ التي بين الَبن وأبيه تُ ب ى ينُ بكلمة )بن( ؛
بمعنى )ابن( لكنها مجَ ى ردةً من الْلف ؛ وتكون بنفس لون الخط ، ثم
يخ ى ط كلمة )بن( أخرى فيذكر جَ ى د ه .. وهكذا دواليك حتى يأتي علَّ
ذكر جُيع آباء السلسلة حتى يصل لمفصلٍ /طبقة في عمود النسب
أو يصل إلى القبيلة رأساً . وهذا هو الذي عليه أكثر العلماء ، وهو
المعني بقولهم مشجر ، مع ملَحظة أ ى ن السلف من النسابين كرهوا
8
أن يربطوا بين الوالد وولده بخط مجرد أو أي دلَلة أخرى غير
كلمة )بن( التي بنفس لون اسم الوالد والولد ، بل إن الخط المجرد
له دلَلة أخرى في اصطلَحهم ، وكذا كلمة )بن( بالخط الْحمر تدل
علَّ الشك في الَتصال ، ولسنا في هذه الرسالة بصدد تبيين
مصطلحات القوم .
وليس الَستغناء عن كلمة )ابن( مما اختص به العجم ، وإنما هو مما
تم ى يز به المتأخرون .
ومثال هذا النوع من التشجير كتاب )بحر الْنساب( لَبن العميد.
النوع الثاني من المشجر الأفقي هو ما كان علَّ عكس الْول ، حيث
يقوم الناسب بذكر الْب الجامع للقبيلة ثم يتبعه بذكر أولَده
لصُ لبه ، فأولَد أولَده ، حتى الْفراد المعاصرين له ، ومثاله
)مشجر سبائك الذهب للسويدي( . ويجب ملَحظة أنه ليس من
الضروري في المشجر الَصطلَحي أن يتطابق مع معنى الشجرة
النبات ، ولذا تنوع الناس في الجهة التي يبدأ فيها مشجرهم
والْخرى التي ينتهي فيها .
)2 مشجرات عامودية في الشكل. وهذه أيضاً نوعان ، نوع يكون فيه جد
القبيلة أو الْسرة في أعلَّ الصحيفة ، ومنه تتدلى الفروع/الفصول .
والنوع الآخر علَّ عكسه ، فيكون جد القبيلة أو الْسرة في أسفل
9
الصحيفة ، ومن عنده ترتفع الفروع/الفصول إلى أعلَّ الصحيفة ،
وهذا هو السائد الآن بين كُ ى ت ابِ الْنساب ومشجريها ، ومن أمثلة
المشجرات العامودية تلك التي ش ى ج ر بها )الْستاذ مُمد فردوس
العظم( كتابْ الإمام ابن الكلبي )الجمهرة( و )نسب معد واليمن
الكبير( .
)3 مشجرات الأمهات. وهو مشجر الْصول المؤنثة ، كما فعلتُ في كتاب
جُهرة أنساب أمهات النبي صلَّ الله عليه وآله وسلم )النسخة
المطبوعة( .
)4 مشجرات عامة. ويُ قصد بها تلك المشجرات التي تكون بمثابة
الفهرسة ، ولذا تسمى بمشجرات الفهرسة ، أو المشجرات
السسيلوجية العامة ، حيث يستدل بها الدارس الَجتماعي
والدارس للنسب علَّ القبائل العظام ، أو البطون والْفخاذ ، أي
أصول الْنساب ، فهي تعطي نظرة عامة علَّ الْنساب ، كالمشجر
العام لْولَد سام بن نوح ، وحام بن نوح ، ويافث بن نوح ، حيث
يذكر فيه الشعوب التي أعقبها هؤلَء ، وكمشجر العدنانيين العام ،
أو مشجر القحطانيين العام .
)5 مشجرات خاصة. وهي تلك المشجرات التي تُ ف ص ل في ذكر أفراد
القبيلة الواحدة أو الْسرة ، وتسمى بالمشجرات الخاصة ، أو التي
11
تدرس قبيلة أو أسرة دراسة اجتماعية ، وتسمى بالمشجرات
السوسيولوجية الخاصة .
)6 مشجرات أطلسية. وهي مشجرات إقليمية أو مشجرات قُطْرِية .
وهي تلك المشجرات التي تختص بذكر أنساب أهل إقليم من
الْقاليم ، أو قطر من الْقطار ، وهذه المشجرات مهمة جداً إما في
حفظ النسب وإما في الدراسات الَنثولوجية والسوسيولوجية ،
وهي إما :
أ -م شجرات أطلسية تاريخية . وهذه إما أن تكون مشجرات
قبائل أو أُ سَر لإقليم ، وإما أنها مشجرات أمراء وحكام
الإقليم ، كتلك التي رسمتها دائرة المعارف البريطانية تحت
مادة )أشراف( ، )شرفاء المغرب( وهي لْصول مَتلفة من
الْشراف ، وكمشجر أمراء المشعشعين في العراق ، ومشجر
أمراء مكة ، وكمشجر الخلفاء من زمن الراشدين وحتى آخر
العباسيين ، حيث تُ نَ ى ز ل الدولة منزلة الإقليم الواحد . وفي
هذه المشجرات يذكر فقط الخليفة أو الْمير ، فهو مشجر لَ
يجمع كل أفراد طبقة النسب ، وإنما يقتصر علَّ من ولي
الْمارة أو الخلَفة ، ومن أبرز أمثلته كتاب الْسر الْاكمة في
التاريخ الإسلَمي .
11
ب - وإما مشجرات طبغرافية . بمعنى أنها مشجرات أطلسية
جغرافية ، تُ ع بر عن التوزع الجغرافي لقبيلة أو غيرها من
طبقات النسب ، وربما تحوي رموزاً ذات دلَلة جغرافية أو
إنسانية .
ت - مشجرات جغرافية تاريخية/جغراخية. ومنها ما يعرف لدى
أهل النسب بجرائد الْنساب ، حيث يقوم النسابة أو النقيب
ب جَ رْ دِ أبناءَ القبيلة في جهة معينة ، كجرد الْشراف في مدينة
من المدن ، أو جرد الْسنيين عن الْسينيين من أهل البلدة
الواحدة ، أو أن يضر رجل معروف النسب إلى قاضي بلدته
ليصدر له صكاً يفظ نسبه المشتهر به عند أهل بلدته .
)7 مشجر نجمي. وهو مشجر يكون الْصل أو الجد في مركز الصحيفة ،
كقطبِ ال ى ر حى ، ومنه تتشعب الفروع ، تشبيهاً له بالنجمِ والنجمُ :
نبا ت يفترش السطح وينجم علَّ غير ساق . ويمكن تسميته
بالمشجر الإسقاطي أو الَنبثاقي ، وهو كأنه صورة للشجرة من
أعلَها ، حيث تصور الشجرة علَّ الصحيفة كسطح مستو .
)8 مشجر شجري. بمعنى أن يكون المشجر علَّ صورة الشجرة النبات ،
وهو خلَف المشجر التقليدي الذي عليه العمل عند القدماء ،
حيث كان النسابة لَ يرص علَّ أن يكون علَّ هيئة الشجرة
12
النبات، ومشجر الشجرة هو أجُل في الصورة إلَ أنه قد يُ شْ ك لُ ،
فلَ يمكن الَعتماد عليه في بسط الْفراد ، وربما طغى فيه المظهر علَّ
حساب البيان والإتقان .
)9 مشجر المصاهرات . فيُ ذكر فيه الْصهار ، ويُ تفاخر بهم ، كما نجده
مثلًَ في مشجرات ملوك أوربا وعظمائها ، لْن الملك فيهم قد
يُ توارث بالمصاهرات .
)11 مشجر متصل. وهو المشجر الذي يتصل فيه الفرع بأصل أعلَّ
مشهور في التاريخ ، كاتصال قريش ، وتميم ، وربيعة ؛ بعدنان . أما
المشجر الذي هو في حكم المتصل فهو مشجر يربط فيه بين أفراد
طبقة النسب إجُالًَ مع تيقن الَتصال ، فهي أنساب في حكم
المتصلة ، ويفعلونه إما اختصاراً للمشجر ، وإما لْن سلَسل
النسب قد فُ قدت لعدم الَعتناء بتدوين الْنساب في عصور كئيبة
حالكة م ى ر ت علَّ المسلمين ، فحاول المتأخرون أن يستدركوها إلَ
أنهم عجزوا ، وهذا يفعله كثير من الْسرة الْضرية الذين و ى ص لوا
بين أفراد الْسرة إلى جدٍّ جامع توقفوا عنده ، ويفعله كثير من أبناء
القبائل من الذين و ى صلوا أفراد القبيلة بأصل جامع أو البطون
بالقبيلة ، مع التغاضي عن ذكر السلسلة إلى الجِ ذْ م البعيد ، وهو
ليس بعيب في النسب كما قلنا ، ولَ يكون مدعاة للطعن في
13
الْنساب البتة ، وهو خير ممن يدعي جَ ى د اً كذِ باً وزوراً ، أو يدعي
سلسلة لَ واقع لها فيربط بها المتقدم بالمتأخر ، ومن يفعل هذا فإنه
يقال في المقابل لمشجره : مشج ر منقط ع ، وسلسلةُ كَ ذِ بٍ ، وهو
وإن ص ى ح أوله وآخره ، إلَ أن أوسطه لَ يصِحُّ بحال . ومن
استفاضت نسبتهم إلى جِذم قديم ولم نجد من طعن في نسبتهم مع
قِدم دعواهم وكثرة عددهم فإنا لَ نطالبهم بسلسلة نسب لنص د ق
دعواهم ، كما لو فرضنا أن قوماً استفاضت نسبتهم إلى العمالقة ،
ويعرف أفرادهم بالعمليقي ، وكانوا قد فقدوا سلسلة النسب ،
وقد مضى لعمليق أكثر من ألفي عام ، فإن الذي يصير إليه أهل
النسب إنما هو تصديقهم في دعواهم ، ولَ يكذبونهم بحجة جهل
السلسلة ، بل هي متصلة حكماً ، فيوصل المشجر مَتصراً إلى
عمليق.
)11 مشجرات مصادر وأمهات. فهي مشجرات يعتمد عليها
النسابون ، ويرجعون إليها ، إذ هي مصادر وأصول لَ سابق لها ،
أو في حكم السابق وذلك متى كان مُ شجِ رها نسابة عُ مد ة في
التحرير ؛ والتحقيق ؛ والتتبع . خلَفاً لمشجرات أخرى ما هي إلَ
تكرار وتقليد لما قبلها ، ونوع ثالث ؛ وهي المشجرات المكذوبة ،
وقد يأتي متأخر متساهل أو عابث فيزيد علَّ مشجر هو أصل أو في
14
حكم الْصل ، وهو في الْقيقة لَ يُ شكر علَّ عمله هذا ، وإنما
يشكر متى كان علَّ شرط صاحب المشجر وفي درجته في العلم
والدراية والتحرير ، بمعنى إن كان هذا التذييل لْحد الْعلَم
المعتمدين عند أهل الَختصاص ، أو متى كان صاحب التذييل
أحد مُ شجرِ ي الطبقات ، ونقصد بمشجري الطبقات أولئك
الْبدال الذين يتداولون المشجر خلفاً عن سلف فيزيدون فيه ما
يطرأ من أخبار وأحداث كالمواليد من نفس أو نفسين أو ثلَثة أو
الوفيات ، أما أولئك الذين يأتون بعد تقلُ بِ العصور ؛ وتصرم
الدهور ، فيُ ذَ ي لون المشجر بالسلَسل الطويلة ؛ فغالباً ما يفعلون
عبثاً ، ولذا فإن مرتضى الزبيدي والرفاعي يُ تابعان في زياداتهما ولَ
يُ سلم لهما ما زادا في المشجر الكشاف إلَ ما اعتمده نسابو أهل
البيت ، ولَ يعني كلَمنا أن لَ دراية لهما بالْنساب ، بل لْنهما لم
يلتزما بقوانين المهنة ، ولْجل تساهلهما في مواطن الْزم ، وهذا ما
يعني أن هناك مشجرات متشددة ، وأخرى متساهلة ، وثالثة
متوسطة ، والتشدد تمليه بعضُ الظروفِ ، وفي بعض الْحيان تمليه
أمراضُ القلوبِ ، والتساهل تمليه الغفلةُ وانعدام الْذق والجهل
بقوانين المهنة ، وأما التوسط الذي هو الَعتدال ؛ وأما الفضيلة
التي تكون بين رذيلتيْن ؛ فإن د ى ل ذلك علَّ شيء فإنما يدل علَّ
15
تقوى الله ؛ وعلَّ العلم ؛ والدراية بالْنساب وقوانينها ؛ والمعرفة
بالْصول المنطقية.